فصل: فصل: (إذن الإمام لإقامة الجمعة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ الجمع بين الصلاتين

وأسباب الجمع ثلاثة‏:‏

أحدها‏:‏ السفر المبيح للقصر لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينها ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق متفق عليه وهذا لفظ مسلم وخص الخرقي الجمع بهذه الحالة إذا ارتحل قبل دخول الوقت الأولى أخرها حتى يجمعها مع الثانية في وقت الثانية وروى نحوه عن أحمد رضي الله عنه والمذهب جواز الجمع لمن جاز له القصر في نزوله وسيره وله الخيرة بين تقديم الثانية فيصليها مع الأولى وبين تأخير الأولى إلى الثانية لما روى معاذ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليها جميعا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار وإذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وروى ابن عباس ونحوه وروى ابن عباس نحوه وروى أنس نحوه أخرجه البخاري ولأنها رخصة من رخص السفر فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر رخصه فإن جمع بينهما في وقت الأولى اعتبر ثلاثة شروط أن ينوي الجمع عند الإحرام بالأولى لأنها نية تفتقر إليها فاعتبرت عند الإحرام كنية القصر وفيه وجه آخر أنه يجزئه أن ينوي قبل الفراغ من الأولى لأنه موضع الجمع بين الصلاتين فإذا لم تتأخر النية عنه جاز وقال أبو بكر‏:‏ لا يحتاج الجمع إلى نية كقوله في القصر وقد مضى الكلام معه‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن لا يفرق بينهما إلا تفريقا يسيرا لأن معنى الجمع المتابعة والمقرنة ولا يحصل ذلك مع الفرق الطويل والمرجع في طول الفرق وقصره إلى العرف فإن احتاج إلى وضوء خفيف لم تبطل وإن صلى بينهما سنة الصلاة فعلى روايتين‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ وجود العذر حال افتتاح الأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية لأن افتتاح الأولى موضع النية وبافتتاح الثانية يحصل الجمع فاعتبر العذر فيها فإن انقطع العذر في غير هذه المواضع لم يؤثر وإن جمع في وقت الثانية اعتبر أن ينوي التأخير للجمع في وقت الأولى إلى أن يبقى منه قدر فعلها واستمرار العذر إلى وقت الثانية ولا يعتبر وجوده في وقت الثانية لأنها صارت في غير وقتها وقد جوز له التأخير ولا يعتبر المواصلة بينهما في أصح الوجهين لأن الثانية مفعولة في وقتها فهي أداء على كل حال والأولى معها كصلاة فائتة‏.‏

فصل‏:‏ والسبب الثاني‏:‏ المطر يبيح الجمع بين المغرب والعشاء

لأن أبا سلمة قال‏:‏ من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء وكان ابن عمر يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر قال أحمد‏:‏ ما سمعت بذلك وهذا اختيار أبي بكر وذكر بعض أصحابنا وجها في جوازه قياسا على الليل ولا يصح لأن المشقة في المطر إنما تعظم في الليل لظلمته فلا يقاس عليه غيره‏.‏

والمطر المبيح للجمع هو الذي يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه والثلج مثله في هذا فأما الطل والمطر الذي لا يبل الثياب فلا يبيح الجمع لعدم المشقة فيه وهل يجوز الجمع لمن يصلي منفردا أو لمقيم في المسجد أو من طريقه إليه في ظلال‏؟‏ على وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يجوز لعدم المشقة‏.‏

والثاني‏:‏ يجوز لأن العذر العام لا يعتبر فيه حقيقة المشقة كالسفر‏.‏

والوحل بمجرده مبيح للجمع لأنه يساوي المطر في مشقته وإسقاطه للجمعة والجماعة فهو كالمطر وفيه وجه آخر أنه لا يبيح لاختلافهما في المشقة وفي الريح الشديدة في الليلة المظلمة وجهان‏.‏

فصل‏:‏ والسبب الثالث‏:‏ المرض يبيح الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء

إذا لحقه بتركه مشقة وضعف لأن ابن عباس قال‏:‏ جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر متفق عليه وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر ولم يبق إلا المرض ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأصل الاستحاضة وهو نوع مرض ثم هو مخير بين التقديم والتأخير أي ذلك كان أسهل عليه فعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا ارتحل بعد دخول الوقت ويؤخر إذا ارتحل قبله طلبا للأسهل فكذلك المريض وإن كان الجمع عنده واحدا فالأفضل التأخير فأما الجمع في المطر فلا تحصل فائدة الجمع فيه إلا بتقديم العشاء إلى المغرب فيكون ذلك الأولى والله أعلم‏.‏

باب‏:‏ صلاة المريض

إذا عجز عن الصلاة قائما صلى قاعدا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمران بن حصين‏:‏ ‏[‏صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب‏]‏ رواه البخاري وصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا بأصحابه وهو شاك‏.‏

وصفة جلوسه على ما ذكرنا في صلاة التطوع‏.‏

فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ويجعل سجوده أخفض من ركوعه يقرب وجهه من الأرض في السجود قدر طاقته‏.‏

فإن سجد على وسادة بين يديه جاز لأن أم سلمة سجدت على وسادة لرمد بها ولا يجعلها أرفع من مكان يمكنه حط وجهه إليه‏.‏

وإن أمكنته الصلاة قائما وحده ولم تمكنه من الإمام إلا بالقعود في بعضها فهو مخير فيها لأنه يفعل في كل واحدة منهما واجبا ويترك واجبا وإن أمكنه القيام وعجز عن الركوع والسجود صلى قائما فأومأ بالركوع ثم جلس فأومأ بالسجود لأن سقوط فرض لا يسقط فرضا غيره‏.‏

وإن تقوس ظهره فصار كالراكع رفع حال القيام قدر طاقته ثم انحنى في الركوع قليلا آخر وإن كان بعينه رمد فقال ثقات من العلماء بالطب‏:‏ إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك جاز ذلك لأن أم سلمة تركت السجود لرمد بها ولأنه يخاف من الضرر أشبه المرض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏العجز عن القعود‏]‏

وإن عجز عن القعود صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه لحديث عمران وإن صلى على جنبه الأيسر جاز للخبر ولأنه يستقبل القبلة به وإن صلى مستلقيا على ظهره بحيث إذا قعد كان وجهه إليها جاز لأنه نوع استقبال ويحتمل أن لا يجوز لمخالفته الأمر وتركه الاستقبال بوجهه وجملته‏.‏

فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى على ظهره ويومئ بالركوع والسجود برأسه فإن عجز فبطرفيه ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القدرة على القيام والقعود في أثناء الصلاة‏]‏

وإن قدر على القيام والقعود في أثناء الصلاة انتقل إليه وأتم صلاته وإن ابتدأها قائما أو قاعدا فعجز عن ذلك في أثنائها أتم صلاته على ما أمكنه لأنه يجوز أن يؤدي جميعها قائما حال القدرة وقاعدا حال العجز فجاز أن يفعل بعضها قائما مع القدرة وبعضها قاعدا مع العجز‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من كان في ماء أو طين لا يمكنه السجود إلا بالتلوث والبلل‏]‏

ومن كان في ماء أو طين لا يمكنه السجود إلا بالتلوث والبلل فله الصلاة بالإيماء والصلاة على دابته لأن أنس بن مالك صلى المكتوبة في يوم مطير على دابته وروى يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على ظهور دوابهم يومئون ويجعلون السجود أخفض من الركوع رواه الأثرم والترمذي فإن كان البلل يسيرا لا أذى فيه لزمه السجود لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاته وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين متفق عليه‏.‏

وهل تجوز الصلاة على الدابة لأجل مرض‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تجوز اختارها أبو بكر لأن مشقة النزول في المرض أكثر من المشقة بالمطر‏.‏

والثانية‏:‏ لا تجوز لأن ابن عمر كان ينزل مرضاه ولأن الصلاة على الأرض أسكن له وأمكن بخلاف صاحب الطين‏.‏

فإن خاف المريض بالنزول ضررا غير محتمل كالانقطاع عن الرفقة ونحوه فله الصلاة عليها رواية واحدة لأنه خائف على نفسه فأشبه الخائف من عدو‏.‏

باب‏:‏ صلاة الخوف

تجوز صلاة الخوف في كل قتال مباح كقتال الكفارة والبغاة والمحاربين ولا تجوز في محرم لأنها رخصة فلا تستباح بالمحرم كالقصر‏.‏

والخوف على ضربين شديد وغير فغير الشديد يجوز أن يصلي بهم على الصفة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحمد رضي الله عنه‏:‏ الأحاديث التي جاءت في صلاة الخوف كلها أحاديث جياد صحاح وهي تختلف فأقول‏:‏ إن ذلك كله جائز لمن فعله إلا أن حديث سهل بن أبي خيثمة أنكى في العذر فأنا أختاره وقال ستة أو سبعة‏:‏ يروى فيها كلها جائز فتذكر الوجوه التي بلغنا‏.‏

فالوجه الأول‏:‏ منها ما روى صالح بن خوات عن من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم متفق عليه فهذا حديث سهل الذي اختاره أحمد‏.‏

ويشترط أن يكون في المسلمين كثرة يمكن تفريقهم طائفتين كل طائفة ثلاثة فأكثر‏.‏

ويقرأ الإمام في حال الانتظار ويطيل حتى يدركوه لأن الصلاة ليست محلا للسكوت وتكون الطائفة الأولى في حكم الائتمام قبل مفارقته إن سها لحقهم حكم سهوه وسجدوا له وإن سهوا لم يلحقهم حكم سهوهم لأنهم مأمومون فإذا فارقوه صاروا منفردين لا يلحقهم سهوه وإن سهوا سجدوا لأنهم منفردون فأما الطائفة الثانية فلحقها سهو إمامها في جميع الصلاة ما أدركوه معه وما لم يدركوه كالمسبوق ولا يلحقهم حكم سهوهم في شيء من صلاتهم لأنهم إن فارقوه فهم مؤتمون به حكما لأنهم يسلمون بسلامه فإذا قضوا ما عليهم فسجد إمامهم سجدوا معه فإن سجد قبل إتمامه سجدوا معه لأنه إمامهم فلزمهم متابعته ولا يعيدون السجود بعد فراغهم من التشهد لأنهم لم ينفردوا عن الإمام فلا يلزمهم من السجود أكثر مما يلزمه بخلاف المسبوق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوجه الثاني في صلاة الخوف‏]‏

الوجه الثاني‏:‏ أن يقسمهم طائفتين يصلي بكل طائفة صلاة كاملة كما روى أبو بكرة قال‏:‏ ‏(‏صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بازاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله ‏(‏ث‏)‏ أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏ الوجه الثالث

أن يصلي بهم كالتي قبلها إلا أنه لا يسلم إلا في آخر الأربع كما روى‏.‏

جابر قال‏:‏ أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذ كنا بذات الرقاع فنودي بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان رواه البخاري‏.‏

فصل‏:‏ الوجه الرابع

ما روى عبد الله بن عمر قال‏:‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة متفق عليه فهذا الوجه جوز أحمد رضي الله عنه الصلاة به واختار حديث سهل لأنه أشبه بظاهر الكتاب وأحوط للصلاة وأنكى في العدو وأما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة‏}‏ الآية وقوله‏:‏ ‏{‏ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك‏}‏ ظاهره أن جميع صلاتها معه وأن الطائفة الأولى قد صلت جميع صلاتها ولا يتحقق هذا في هذا الوجه وأما الاحتياط للحرب فإن كل طائفة تنصرف بعد الفراغ من صلاتها وتتمكن من الضرب والكلام والتحريض وغيره وفي هذا الوجه تنصرف كل طائفة وهي في حكم الصلاة لا تتمكن من ذلك ولا يخلو من أن تمشي أو تركب وذلك عمل كثير يفسدها‏.‏

فصل‏:‏ الوجه الخامس

إذا كان العدو في جهة القبلة بحيث لا يخفى بعضهم على المسلمين ولم يخافوا كمينا صلى بهم كما روى جابر قال‏:‏ شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجد ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا أخرجه مسلم‏.‏

فهذه الأوجه الخمسة جائزة لمن فعلها ولا نعرف وجها سادسا غير ما روى ابن عباس قال‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف والمشركون بينه وبين القبلة فصف صفا خلفه وصفا موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولهم ركعة ركعة رواه الأثرم فكلام أحمد رضي الله عنه يقتضي كون هذا من الوجوه الجائزة إلا أن أصحابه قالوا‏:‏ لا تأثير للخوف في عدد الركعات فيدل على أن هذا ليس بمذهب له‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وجه آخر‏]‏

فإن صلى المغرب على حديث سهل صلى بالطائفة الأولى ركعتين وتتم لأنفسها ركعة تقرأ فيها الحمد لله وبالثانية ركعة وتتم لأنفسها ركعتين تقرأ فيها بالحمد لله وسورة وتفارقه الأولى حين يقوم إلى الثالثة في أحد الوجهين لأن الانتظار في القيام أولى لكثرة ثواب القيام واستحباب تقصير التشهد وفي الآخر تفارقه حين يفرغ من تشهده الأول فتقوم ويثبت هو جالسا لتدرك الثانية جميع الركعة الثالثة ويطيل التشهد حتى تجيء الطائفة الثانية فينهض ثم تكبر الطائفة وتدخل معه فإذا جلس للتشهد الآخر نهضت لقضاء ما فاتها ولم تتشهد معه لأنه ليس بموضع تشهدها ويحتمل أن تتشهد معه إذا قلنا‏:‏ إنها تقضي ركعتين متواليتين لئلا يفضي إلى وقوع جميع الصلاة بتشهد واحد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صلاة الخوف للمقيمين‏]‏

ويجوز صلاة الخوف للمقيمين لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة‏}‏ الآية ولأنها حالة خوف فأشبهت حالة السفر ويصلي بكل طائفة ركعتين وتتم الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة والطائفة الأخرى بالحمد لله وسورة وفي موضع مفارقة الطائفة الأولى له وجهان على ما ذكرنا في المغرب وإن صلى بطائفة ثلاث ركعات وبالأخرى ركعة أو صلى المغرب بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين جاز لأنه لم يزد على انتظارين ورد الشرع بهما‏.‏

وإن فرقهم أربع فرق وصلى بكل طائفة ركعة أو ثلاث فرق في المغرب صحت صلاة الأولى والثانية لأنهما فارقتاه لعذر وبطلت صلاة الإمام لزيادته انتظارا لم يرد الشرع بمثله وصلاة الثالثة والرابعة لإقتدائهما بمن صلاته باطلة وقال ابن حامد‏:‏ إن لم يعلما ببطلان صلاته صحت صلاتهما للعذر فأشبه من صلى وراء محدث يجهل هو والإمام حدثه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من صلى صلاة الخوف من غير خوف‏]‏

إذا صلى صلاة الخوف من غير خوف لم تصح لأنها لا تنفك من مفارق إمامه أو تارك متابعته أو قاصر مع إتمام إمامته أو قائم للقضاء قبل سلامه وكل ذلك مبطل إلا مع العذر إلا أن يصلي بكل طائفة صلاة تامة على حديث أبي بكرة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حمل السلاح في صلاة الخوف‏]‏

قال أصحابنا‏:‏ لا يجوز حمل السلاح في صلاة الخوف لأنه لو وجب لكان شرطا كالسترة ويستحب أن يحمل ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين ويكره ما يثقله كالجوشن وما يمنع إكمال السجود كالمغفر وما يؤذي به غيره كالرمح متوسطا فإن كان في حاشية لم يكره ولا يجوز حمل نجس ولا ما لا يخل بركن الصلاة إلا أن يخاف وقوع السهام والحجارة ونحوها به فيجوز للضرورة ويحتمل وجوب حمل السلاح للأمر به بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليأخذوا أسلحتهم‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم‏}‏ فيدل على الجناح عند عدم ذلك‏.‏

فصل‏:‏ الضرب الثاني

الخوف الشديد مثل التحام الحرب والقتال ومصيرهم إلى المطاردة فلهم أن يهلكوا كيفما أمكنهم رجالا وركبانا يومون بالركوع والسجود على قدر الطاقة ويتقدمون يتأخرون ويضربون ويطعنون ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها وصلاتهم صحيحة وإن هرب هربا مباحا من عدو أو سيل أو سبع أو نار لا يمكنه التخلص إلا بالهرب أو كان أسيرا يخاف الكفار إن صلى أو مختفيا في موضع يخاف أن يظهر عليه صلى كيفما أمكنه قائما أو قاعدا أو مستلقيا إلى القبلة وغيرها بالإيماء في السفر والحضر فإن أمن في صلاته أتمها صلاة أمن وإن ابتدأها آمنا فعرض له الخوف أتمها صلاة خائف لأنه يبني على صلاة صحيحة فجاز كبناء صلاة المرض على صلاة الصحة‏.‏

وإن رأى سوادا فظنه عدوا فصلى صلاة الخوف ثم بان أنه غير عدو أو بينه وبينه ما يمنع العبور أعاد لأنه لم يوجد المبيح فأشبه من ظن أنه متطهر فصلى ثم علم بحدثه قال أصحابنا‏:‏ ويجوز أن يصلوا في شدة الخوف جماعة رجالا وركبانا ويعفى عن تقدمهم الإمام لأجل الحاجة كما عفي عن العمل الكثير وترك الاستقبال‏.‏

فصل‏:‏ وفروض الخطبة

أربعة أشياء‏:‏

حمد الله تعالى لأن جابرا قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول‏:‏ ‏[‏من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له‏]‏‏.‏

والثاني‏:‏ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان‏.‏

الثالث‏:‏ الموعظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ وهو القصد من الخطبة فلا يجوز الإخلال بها‏.‏

الرابع‏:‏ قراءة آية لأن جابر بن سمرة قال‏:‏ كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود والترمذي ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة وعن أحمد رضي الله عنه ما يدل على أنه لا يشترط قراءة آية فإنه قال‏:‏ القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ وتشترط هذه الأربعة في الخطبتين لأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الفروض‏.‏

فصل‏:‏ وسننها

ثلاث عشرة‏:‏

أن يخطب على منبر أو موضع عال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره ولأنه أبلغ في الإعلام‏.‏

الثاني‏:‏ أن يسلم عقيب صعوده إذا أقبل عليهم لأن جابرا قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم رواه ابن ماجه‏.‏

الثالث‏:‏ أن يجلس إذا سلم عليهم‏:‏ لأن ابن عمر قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب رواه أبو داود‏.‏

الرابع‏:‏ أن يخطب قائما لأن جابر بن سمرة قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب رواه مسلم وأبو داود‏.‏

وليس ذلك بشرط لأن المقصود يحصل بدونه‏.‏

الخامس‏:‏ أن يجلس بينهما لما رويناه وليس بواجب لأنها جلسة للاستراحة وليس فيها ذكر مشروع فأشبهت الأولى‏.‏

السادس‏:‏ أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا لما روى الحكم بن حزن قال‏:‏ وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا على سيف أو قوس أو عصا فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات رواه أبو داود ولأن ذلك أمكن له فإن لم يكن معه شيء أمسك شماله بيمينه أو أرسلهما عند جنبيه وسكنهما‏.‏

السابع‏:‏ أن يقصد بلقاء وجهه لأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضا عمن في الجانب الآخر‏.‏

الثامن‏:‏ أن يرفع صوته لأن جابرا قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول‏:‏

‏[‏أما بعد‏:‏ فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة‏]‏ رواه مسلم ولأنه أبلغ في الإسماع‏.‏

التاسع‏:‏ أن يكون في خطبته مترسلا معربا مبينا من غير عجلة ولا تمطيط لأنه أبلغ وأحسن‏.‏

العاشر‏:‏ تقصير الخطبة لما روى عمار قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏

‏[‏إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة‏]‏ رواه مسلم‏.‏

الحادي عشر‏:‏ ترتيبها يبدأ بالحمد لله ثم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعظ لأنه أحسن والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالحمد لله وقال‏:‏ ‏[‏كل كلام ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر‏]‏‏.‏

الثاني عشر‏:‏ أن يدعو للمسلمين لأن الدعاء لهم مسنون من غير الخطبة ففيها أولى وإن دعا للسلطان فحسن لأن صلاحه نفع للمسلمين فالدعاء له دعاء لهم‏.‏

الثالث عشر‏:‏ أن يؤذن لها إذا جلس الإمام على المنبر لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة‏}‏ يعني الأذان قال السائب‏:‏ كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث رواه البخاري وهذا النداء الأوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع لأنه الذي كان مشروعا حين تزول الآية فتعلقت الأحكام به ويسن الأذان الأول في أول الوقت لأن عثمان سنه وعملت به الأمة بعده وهو مشروع للإعلام بالوقت والثاني للإعلام بالخطبة والإقامة للإعلام بقيام الصلاة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إذن الإمام لإقامة الجمعة‏]‏

ولا يشترط للجمعة إذن الإمام لأن عليا رضي الله عنه صلى بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور ولأنها من فرائض الأعيان فلم يعد لها إذن الإمام كالظهر قال أحمد‏:‏ وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمعون لكن إن أمكن استئذانه فهو أكمل وأفضل وعنه أنه شرط لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من يصلي بالناس الجمعة‏]‏

وتصلى خلف بر وفاجر لحديث جابر ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة وتختص بإمام واحد فتركها خلف الفاجر يفضي إلى الإخلال بها فلم يجز ذلك كالجهاد ولهذا أبيح فعلها في الطرق ومواضع الغضب صيانة لها عن الفوات‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ماذا يفعل إذا فرغ من الخطبة‏]‏

‏[‏و‏]‏ إذا فرغ من الخطبة نزل فأقيمت الصلاة فصلى بهم ركعتين يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة معها ويجهر بالقراءة للإجماع ونقل الخلف عن السلف ومهما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه إلا أن المستحب أن يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين أو بسبح والغاشية لما روى أبو هريرة قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة وعن النعمان بن بشير قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة ب ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ و‏{‏هل أتاك حديث الغاشية‏}‏ رواهما مسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعدد الجمعة في المصر الواحد‏]‏

ومتى أمكن الغنى بجمعة واحدة في المصر لم يجز أكثر منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة وإن احتيج إلى أكثر منها جاز لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير فصار إجماعا ولأنها صلاة عيد جاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها وإن استغنى بجمعتين لم تجز الثالثة فإن صليت في موضعين من غير حاجة وإحداهما جمعة الإمام فهي الصحيحة ويحتمل أن السابقة هي الصحيحة لأنه لم يتقدمها ما يفسدها وبعد صحتها لا يفسدها ما بعدها والأول أولى لأن في تصحيح غير جمعة الإمام افتئاتا عليه وتبطيلا لجمعته ومتى أراد أربعون نفسا إفساد صلاة الإمام والناس أمكنهم ذلك فإن لم يكن لأحدهما مزية فالسابقة هي الصحيحة لما ذكرناه وتفسد الثانية وإن وقعتا معا‏:‏ فهما باطلتان لأنه لا يمكن تصحيحها ولا تعيين إحداهما بالصحة فبطلتا كما لو جمع بين أختين وعليهم إقامة جمعة ثالثة لأنه مصر لم تصل فيه جمعة صحيحة وإن علم سبق إحداهما وجهلت فعلى الجميع الظهر لأن كل واحد لم يتيقن براءة ذمته من الصلاة وليس لهم إقامة الجمعة لأن كل واحد لم يتيقن براءة ذمته من الصلاة وليس لهم إقامة الجمعة لأن المصر قد صليت فيه جمعة صحيحة وإن جهل الحال فسدتا وهل لهم إقامة الجمعة‏؟‏ على وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يقيمونها للشك في شرط إقامتها‏.‏

والثاني‏:‏‏:‏ لهم ذلك لأننا لم نعلم المانع من صحتها والأصل عدمه وذكر القاضي وجها من إقامتها مع العلم بسبق إحداهما لأنه لما تعذر تصحيح إحداهما بعينها صارت كالمعدومة ولو أحرم بالجمعة فعلم أنها قد أقيمت في مكان آخر لم يكن له إتمامها‏.‏

وهل يبني عليها ظهرا أم يستأنفها‏؟‏ على وجهين‏:‏

أصحهما استئنافها لأن ما مضى منها لم يكن جائزا له فعله ويعتبر السبق بالإحرام لأنه متى أحرم بإحداهما حرم الإحرام بالأخرى للغنى عنها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم السفر لمن وجبت عليه الجمعة‏]‏

ولا يجوز لمن تجب عليه الجمعة السفر بعد دخول وقتها لأنه يتركها بعد وجوبها عليه فلم يجز كما لو تركها لتجارة إلا أن يخاف فوت الرفقة فأما قبل الوقت فيجوز للجهاد لما روى ابن عباس قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال‏:‏ أتخلف فأصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم قال‏:‏ فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال‏:‏ ‏[‏ما منعك أن تغدو مع أصحابك‏؟‏ فقال‏:‏ أردت أن أصلي معك ثم ألحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم‏]‏ من المسند وهل يجوز لغير الجهاد‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجوز لأن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ الجمعة لا تحبس عن سفر ولأنها لم تجب فأشبه السفر من الليل‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجوز لما روى الدارقطني في الإفراد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى يجب السعي للجمعة‏]‏

ويجب السعي بالنداء الثاني لما ذكرنا إلا لمن منزله في بعد فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركا للجمعة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ويستحب التبكير بالسعي لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أملح ومن راح في الساعة الرابعة كأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة كأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر‏]‏ متفق عليه وقال علقمة‏:‏ خرجت مع عبد الله يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال‏:‏ رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد ثم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏[‏إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة‏]‏ رواه ابن ماجه ويستحب أن يأتيها ماشيا ليكون أعظم للأجر وعليه سكينة ووقار لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار‏]‏ متفق عليه ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يستحب فعله يوم الجمعة‏]‏

ويستحب أن يغسل ويتطيب ويتنظف بقطع الشعر وقص الظفر وإزالة الرائحة لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى‏]‏ رواه البخاري وعنه أن الغسل واجب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وسواك وأن يمس طيبا‏]‏ رواه مسلم والأول المذهب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل الغسل أفضل‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن والخبر الأول أريد به تأكيد الاستحباب ولذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين‏.‏

ووقت الغسل بعد الفجر لقوله‏:‏ ‏[‏يوم الجمعة‏]‏ والأفضل فعله عند الرواح لأنه أبلغ في المقصود ولا يصح إلا بنيته لأنه عبادة فإن اغتسل للجمعة والجنابة أجزأه وإن اغتسل للجنابة وحدها احتمل أن يجزئه لقوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة‏]‏ ولأن المقصود التنظيف وهو حاصل واحتمل أن لا يجزئه لقوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏وليس للمرء من عمله إلا ما نواه‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تخطي الرقاب يوم الجمعة‏]‏

وإذا أتى المسجد كره له أن يتخطى الناس لقوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏ولم يفرق بين اثنين‏]‏ إلا أن يكون إماما ولا يجد طريقا فلا بأس بالتخطي لأنه موضع حاجة ومن لم يجد موضعا إلا فرجة لا يصل إليها بتخطي الرجل والرجلين فلا بأس فإن تركوا المسجد فارغا وجلسوا دونه فلا بأس بتخطيهم لأنهم ضيعوا حق نفوسهم وإن ازدحم الناس في المسجد وداخله اتساع فلم يجد الداخل لنفسه موضعا فعلم أنهم إذا قاموا تقدموا وإن لم يرج ذلك فله تخطيهم لأنه موضع حاجة‏.‏

وليس لأحد أن يقيم غيره ويجلس مكانه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ويجلس فيه‏]‏ متفق عليه وإن قام له رجل من مكان وأجلسه فيه جاز لأن الحق له لكن إن كان المتنفل ينتقل إلى موضع أبعد من موضعه كره لما فيه من الإيثار بالقربة‏.‏

ولو قدم رجل غلامه فجلس في موضع فإذا جاء قام الغلام وجلس مكانه فلا بأس به كان ابن سيرين يفعله وإن فرش له مصلى لم يكن لغيره الجلوس عليه وهل لغيره رفعه والجلوس في موضعه‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

وإن قام الجالس من موضعه لحاجة ثم عاد إليه فهو أحق به لما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به‏]‏ رواه مسلم وإن نعس فأمكنه التحول إلى مكان لا يتخطاه فيه أحد استحب له ذلك لما روى ابن عمر قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏[‏إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره‏]‏ من المسند وهو حديث صحيح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏استحباب الدنو من الإمام‏]‏

ويستحب الدنو من الإمام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها‏]‏ رواه ابن ماجه والنسائي وإن حضر قبل الخطبة اشتغل بالتنفل أو ذكر الله وقرأ القرآن ويكثر من الدعاء لعله يوافق ساعة الإجابة ويكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ سورة الكهف لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي الفتنة‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى ينقطع التنفل‏؟‏‏]‏

فإذا جلس الإمام على المنبر انقطع التنفل فإذا أخذ من الخطبة حرم الكلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت‏]‏ متفق عليه‏.‏

وروى ‏[‏ثعلبة بن مالك أنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر ولم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا‏]‏ وعنه‏:‏ لا يحرم الكلام لما روى أنس قال‏:‏ ‏[‏بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فادع الله أن يسقينا‏]‏ وذكر الحديث متفق عليه والأول أولى وهذا يحتمل أنه من تكليم الخطيب دون غيره لأنه لا يشتغل بتكليمه عن سماع خطبته والبعيد والقريب سواء في ذلك وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال‏:‏ إن للمنصت الذي لا يسمع من الخطبة مثل للسامع إلا أن للبعيد أن يذكر الله ويقرأ القرآن سرا وليس الجهر ولا المذاكرة في الفقه ‏[‏لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة والإمام يخطب‏]‏ وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة‏]‏ ومن لم يسمع متكلما لم ينهه بالقول‏:‏ للخبر ولكن يشير إليه ويضع إصبعه على فيه وإن وجب الكلام مثل تحذير ضرير شيئا مخوفا فعليه الكلام لأنه لحق آدمي فكان مقدما على غيره ومن سأله الإمام عن شيء فعليه إجابته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الداخل‏:‏ ‏[‏أصليت‏]‏ فأجابه وسأل عمر عثمان فأجابه وفي رد السلام وتشميت العاطس روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يفعل لأنه لحق آدمي فأشبه تحذير الضرير‏.‏

والأخرى‏:‏ لا يفعله لأن المسلم سلم في غير موضعه والتشميت سنة لا يترك لها الإنصات الواجب ولا يتصدق على سائل والإمام يخطب وإذا لم يسمع الخطبة فلا بأس أن يشرب الماء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الكلام للخاطب‏]‏

ولا يحرم الكلام على الخاطب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم وعمر سأل عثمان أية ساعة هذه فإذا وصل الخطيب إلى الدعاء ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يباح الكلام لأنه فرغ من الخطبة‏.‏

والثاني‏:‏ لا يباح لأنه قاطع للخطبة أشبه التطويل في الموعظة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من دخل والإمام يخطب‏]‏

ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما لما روى جابر قال‏:‏ دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال‏:‏ ‏[‏صليت يا فلان قال‏:‏ لا قال‏:‏ فصل ركعتين‏]‏ متفق عليه زاد مسلم ثم قال‏:‏ ‏[‏إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الصلاة بعد الجمعة‏]‏

ويسن أن يصلي بعد الجمعة أربعا لما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا‏]‏ رواه مسلم وإن شاء صلى ركعتين لما روى ابن عمر‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه وإن شاء صلي ستا لأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ويستحب أن يفصل بين الجمعة والركوع بكلام أو رجوع إلى منزله لما روى السائب بن يزيد قال‏:‏ قال لي معاوية‏:‏ إذا صليت صلاة الجمعة فلا تصليها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بذلك رواه مسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة‏]‏

ويستحب أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة‏:‏ ‏{‏الم‏.‏ تنزيل‏}‏ و‏{‏هل أتى على الإنسان‏}‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة‏:‏ ‏{‏الم‏.‏ تنزيل الكتاب‏}‏ و‏{‏هل أتى على الإنسان حين من الدهر‏}‏ رواه مسلم قال أحمد‏:‏ ولا أحب أن يداوم عليها لئلا يظن الناس أنها مفضلة بسجدة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اتفاق عيد وجمعة‏]‏

فإذا اتفق عيد في يوم جمعة فصلوا العيد لم تلزمهم الجمعة ويصلون ظهرا لما روى زيد بن أرقم قال‏:‏ شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم فصلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال‏:‏ ‏[‏من شاء أن يجمع فليجمع‏]‏ وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله‏]‏ رواهما أبو داود‏.‏

وتجب الجمعة على الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إنا مجمعون‏]‏ ولأن تركه لها منع لمن يريدها من الناس‏.‏

وعنه‏:‏ لا تجب لأن ابن الزبير لم يصلها وكان إماما ولأن الجمعة إذا سقطت عن المأمومين سقطت عن الإمام كحالة السفر فإن عجل الجمعة في وقت العيد أجزأته عن العيد والظهر في ظاهر كلامه لما روى عطاء قال‏:‏ اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال‏:‏ عيدان قد اجتمعا في يوم واحد فجمعهما وصلاهما ركعتين فلم يزد عليهما حتى صلى العصر وبلغ فعله ابن عباس فقال‏:‏ أصاب السنة‏.‏